»يوليو« انتهت عام 71 بعد إعلان »السادات« عن الشرعية الدستورية
د. علي السمان لـ »الوفد«: حوار: ممدوح دسوقي الدكتور علي السمان مدير إدارة الإعلام الأسبق برئاسة الجمهورية والمولود عام 1929، عاصر كثيراً من الأحداث التاريخية في هذا الوطن بدءاً من الفترة الملكية ومروراً بالجمهورية في عهد رؤسائها الثلاثة. يراه الكثيرون وجهاً إعلامياً شهيراً وسياسياً مخضرماً ويزعم البعض أنه »رجل مخابرات« من طراز فريد. درس في مدرسة قبطية مما أعطاه قناعة راسخة بقبول الآخر، وحصل علي شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة السوربون، كما كان مقرباً من النظام الناصري ويتمتع بصداقات عديدة مع شخصيات عالمية أثرت كثيراً في صنع القرار الدولي. هنا نص حواره مع »الوفد« عن فترة كان أحد أبرز شاهديها
. < قامت الثورة علي ثلاثة أجنحة »يمين ويسار ومستقل« فلماذا بدأ الصراع مبكرا داخل مجلس قيادة الثورة؟ - الخلاف لم يبدأ من البداية ولكنه اشتد عندما بدأ الصراع مع اللواء »نجيب« ولكن الإخوان المسلمين كان لهم بما نسميه بلغة الاقتصاد »حصة تأسيس« لأنهم كانوا من المؤسسين، ولكن حينما تنجح ثورة يحدث دائماً الخلاف علي توزيع هذه الحصص وعندما إنحازت القوي الموجودة من الأحزاب القديمة وحزب الوفد لصالح اللواء نجيب. أراد الإخوان أن يثبتوا أنهم ليسوا شركاء بل مؤسسون وهنا بدأ الصراع مع الإخوان. < وكيف بدأ الصراع مع الشيوعيين وكانوا يؤيدون الثورة؟ - حدثت الرغبة من البداية لدي القيادات المؤثرة خاصة عبدالناصر، بأن لا تفهم الثورة خطأ بأنها ثورة عمال وفلاحين مع أنها رفعت شعار العدالة الاجتماعية.. ولكن علي القوة العاملة والقوة المؤثرة فيها كالشيوعيين بأن يفهموا أن الثورة ليست يساراً.. وعندما جاء عبدالناصر لجامعة الإسكندرية كان اليسار يقف علي يمينه في المنصة، وكانوا يهتفون يسقط »يد الأمريكان« في اتهام للثورة بأنها أمريكية نظراً لارتباط الضباط الأحرار بالسفير الأمريكي »كافري«، وكانت هتافاتهم أعلي من صوته، فقال يا أهل اليمين أرجو الهدوء لأنهم علي يمينه. ثم قال وبالأحري يا أهل اليسار، فالصراع مع الشيوعيين بدأ مبكراً خاصة عندما تم إعدام العاملين »خميس« و»البقري«. < هذان العاملان كانا يؤيدان الثورة فلماذا الإعدام؟ - نعم أيدوا الثورة.. ولكن اعتصامهم مرفوض فبعد هذا الاعتصام أراد به الضباط الأحرار وضع الأمور في نصابها، فالثورة لمن، ومن يحكم، ومن له الغلبة وكل الثورات هكذا. < لك كتاب بعنوان »أوراق عمري من الملك فاروق إلي عبدالناصر والسادات فلماذا أسقط اسم اللواء محمد نجيب ألم يكن رئيساً للجمهورية«؟ - بالعكس فقد ذكرته في موقع ولم يتعرض لها أناس كثيرون، وأقول: إن عبدالناصر والسادات كانا عمالقة وليسا ألهة وأقصد بعمالقة أنهما يخضعان للنقد.. ولكن المعاملة غير الإنسانية التي تعرض لها »نجيب« كانت ظالمة، وأستطيع أن اسميها مأساة إغريقية، فالرجل أحضروه من خارج نطاق الضباط الأحرار لأنهم كانوا شبابا في الثلاينيات، والشعب لن يسمح لهؤلاء الشباب بأن يحكم لأن مصر بلد تقاليد، ولهذا أحضروا محمد نجيب ولكن المفاجأة كانت في أنه أصبح له شعبية سريعة فقد كان بشوشاً وله لغة سلسة فأحبه الشعب وأحس انه هو القائد الذي يريدونه فوقفوا خلفه وأيدوه. < ما الفرق بين اللواء »محمد نجيب« والرئيس »عبدالناصر«؟ - عبدالناصر كان أقرب منه إلي محاضر في كلية أركان حرب وأذكر حينما قاموا بتوزيع أراضي الإصلاح الزراعي وكانت خطبة عبدالناصر عن الإنتاج وتوزيع الأراضي فقد كان لا يريد أن يقل الإنتاج وبالطبع الفلاحون لم يستوعبوا ذلك.. إذن عبدالناصر كان وجهها عقلانيا هادئا في بدايته.. ولكن محمد نجيب كانت شعبيته جارفة ولكنه أخطأ في الحساب فباسم الشعب أعتقد أنه سيتعاون مع قوي أخري غير القوي التي جاءت به وحينها شعر الضباط الأحرار بأن الثورة تسرق منهم لصالح نجيب صاحب الشعبية الجارفة والذين يقفون خلفه من الإخوان والأحزاب الأخري. < بدأ الصراع بين الرئيسين عبدالناصر ونجيب وكنت في فرنسا وكان لك موقف في هذا الصراع فما هو؟ - بدأ الصراع ولم يكن مجلس قيادة الثورة انتهي من مهمته الثورية.. وطالب نجيب مع أصدقائه السياسيين الجدد بعودة الضباط للثكنات، وتم عقد مؤتمر للشباب المصري في باريس، وأنا دائماً لا أخجل من يوم واحد من حياتي فعند التصويت في ذلك المؤتمر وجدت أنني الوحيد الذي يؤيد بقاء مجلس قيادة الثورة وجميع الشباب أيدوا عودة الضباط إلي ثكناتهم. < ولماذا وقفت هذا الموقف؟ ولماذا أرسلت برقيتين إلي البكباشي عبدالناصر وإلي الرئيس محمد نجيب؟ - وقفت هذا الموقف لأني وجدت تناقضا بين مطالب الشباب للإصلاحات الجذرية لان الآليات التي سيعملون بها هي نفس الآليات القديمة، فلماذا قامت الثورة؟! وأرسلت برقية لعبدالناصر أقول له: »لا تستقيل وأؤيد استمرار مجلس قيادة الثورة.. وأرسلت برقية »لمحمد نجيب« قلت »أن مطالبتكم بعودة الضباط إلي الثكنات هي أكبر عملية نفاق في تاريخ مصر الحديث«!! وحينها أرسل لي »علاء الدين عبداللطيف« الملحق الثقافي في باريس خطابا ليتم التحقيق معي؛ لأن الذين خاطبته هو رئيس الجمهورية ثم حدث التغيير وظل عبدالناصر وذهب نجيب.. وهنا جاء لي المستشار الثقافي بنفسه وانتقل من باريس إلي »جرونوبل« بجنوب فرنسا ليخطب ودي اعتقاداً منه أن الخطاب سيؤذيه. < هل تسرع الرئيس جمال عبدالناصر في الوحدة مع سوريا؟ - الوحدة في 1958 كانت أكبر مأساة حدثت في التاريخ .. مع أن الوحدة في حد ذاتها كانت حلماً وتحقق، لكن خلفيات هذا الحلم هي مناورات ومؤامرات من البعث السوري لانه جر عبدالناصر للوحدة ليتخلص من خصومه في سوريا وتمت الوحدة، ثم تامر حلفاء اليوم في الغد علي عبدالناصر لأنه أنهي مهمته وقضي علي خصومهم في مأساة الوحدة عندما رأي عبدالناصر أن الحلم أصبح سراباً. < زعامة الرئيس عبدالناصر إلي أي مدي كانت باهظة التكاليف؟ - 56 أعطته شعبية في العالم العربي وكان من الصعب ان يتخلي عنها، ولكنها كانت مكلفة جداً في حرب اليمن فقد التقيت برئيس C. I. A في وزارة الدفاع الأمريكية مع المشير »الجمسي« عندما كان وزيراً للحربية وسألت رئيس C.I.A عن حرب 67.. فقال إن عبدالناصر أخطأ في تقدير الدولة الكبري عندما أرسل قواته إلي اليمن، لأن الدولة الكبري هي التي تبعث بقواتها خارج حدودها الوطنية ولهذا كان يجب لفت النظر »ويبدو أنه كان عالي شوية«!! وليس لدي أرقام التكاليف لكن المؤكد أنها كانت مكلفة جداً، ليس هذا فقط بل اختار أن يكون زعيم حركات التحرر في المنطقة العربية، والإفريقية وغيرها.. وطبيعي عندما يكون الإنسان أو الزعيم بالذات سجين خرافة الزعامة فلك أن تتخيل ماذا تكون أفعاله؟! < كان ينادي بالتحرر الخارج.. فهل الشعب المصري كان متحرراً في الداخل؟ - عندما ينادي باستقلال الشعوب من الاحتلال فهذا شيء ولكن قضية الحريات في الداخل عانت كثيراً من الكبت الشديد ولا أعتقد أنه كان في احتياج لهذا الكبت العام لان هذا الشعب بطبعه لا يحتاج هذا الأسلوب وكان عبدالناصر في احتياج لتحديد لكلمة الخصوم لأنهم كانوا محدودين في مصر، ولكن حركة التأميمات جعلته يشعر أن ضحاياها أصبحوا أكثرية وبالتالي ازدادت خصوماته. < كيف كانت العلاقة بين المثقفين وبين الرئيس عبدالناصر؟ - المثقف همومه أن يتكلم، والثوري همومه أن يحسم، إذن هناك فارق في السرعة بينهما.. ولهذا لا أقول ان عبدالناصر اصطدم مع كل المثقفين لان المثقفين ليسوا حزباً واحداً فيوجد مثقف يمين وآخر يساري وثالث ليبرالي وهكذا، وكان فيه جزء من المثقفين مع عبدالناصر وإن كان محدوداً، إنما بصفة عامة الصدام حدث نتيجة لاختيار كل فرد فيهم طريقه كفكر وأسلوب حياة.. وطبعاً المثقف رجل جامعة فالصراع أثر علي المستقبل وهذه نقطة مؤسفة لأنها حرمت الثورة كمجتمع من عطاء الفكر لأن أي حياة قومية في احتياج للتزاوج بين الحسم والفكر. < قمت بمهمة إحضار »جان بول سارتر« الفيلسوف الفرنسي للقاهرة.. فلماذا كان يرفض تلك الزيارة؟ - »سارتر« كان منحازاً بالكامل لقضية الحريات، والثورة الجزائرية وفي تلك الفترة أسموه »الإله الحي« لشباب العالم الثالث الذي يطالب بالاستقلال ولكن هناك قضية محورية يختلف فيها مع عبدالناصر وهي الحرية، وعندما قابلته لأدعوه لزيارة مصر فقال »لا أذهب إلي بلد تغتال فيه الحريات« وكان يصدر مجلة »الأزمنة الحديثة« وتضم صفحات ثابتة في كل عدد بعنوان »مصر هذا السجن الكبير« وينشر فيه الخطابات الخاصة بالمعتقلين السياسيين من أهل اليسار التي كان يتم تهريبها من المعتقلات ولهذا كانت القيادة السياسية تقدر ثقله ومدي تأثيره بين شباب العالم الثالث. < ألهذا كان الرئيس عبدالناصر شغوفاً بلقاء »سارتر«؟ - عبدالناصر كان يريد هذه المصالحة لكي يكون علماً من أعلام الفكر المؤثر في شباب العالم الثالث، بالإضافة إلي أن موقف عبدالناصر ونظامه يتلاقي مع موقف سارتر في قضية استقلال الجزائر وهذا من الأهداف الاستراتيجية لحكم عبدالناصر.. بالإضافة إلي ان سارتر لم يتوقف عن انتقاد نظام عبدالناصر في مجلته وفي أحاديثه بسبب اختياره لنظام الحزب الواحد سبيلاً لحكمه. < وكيف اقنعت سارتر بزيارة مصر ويوجد تناقض بين فكره وبين أسلوب نظام الحكم في مصر؟ - لقد حسمت تردده في زيارة مصر بجملة واحدة وقد قلتها بموضوعية.. »إذا كنت تحاول تطبيق معايير علي حالة مصر بالذات فيجب أن تكون حذراً تاريخياً لأن من يحكم مصر سواء كان ملكاً أو سلطاناً أو خديو أو رئيس جمهورية فهو فرعون مصر، وعندما يكون حظها جيداً فإنه يكون فرعونا صالحا« فاقتنع وقرر المجيء إلي القاهرة. < لك خلاف طال زمنه مع نظام الرئيس عبدالناصر ما سببه؟ - اختلفت مع النظام من عام 58 وحتي 66 في قضية بسيطة جداً وهي رغبتي في الاستقلال في الحركة فقد كنت أريد أن أنشيء اتحاد طلبة مصريين وعرب، والنظام يعتبر أن إنشاء اتحاد طلبة مصريين يكون في احتياج دور أساسي ومحوري للاتحاد الاشتراكي وللأمن، وكنت لا أحتاج للأول ولا للثاني ففهمي للتعاون أن يكون سياسياً ووطنياً وليس أمنياً ولكنهم كانوا يريدونه أمنياً.. وكنت لا أصدر خلافي مع النظام في بلدي إلي أرض الخارج أبداً.. وبالمناسبة أشهد أيضا أن الأخ والصديق »محمود أباظة« وكان معي في باريس أنه لم يحاول يوماً ان ينقل خلافه مع النظام إلي منبر الخارج عن أرض الوطن وقد كان خلافه شديداً جداً مع نظام عبدالناصر في فترة الستينيات، ولكنه كان يقول إنها قضايا تحل في الداخل وليس في الخارج. < كيف نقل الإعلام الأوروبي هزيمة 67 في وسائله المختلفة؟ - الإعلام الأوروبي نقل لقطات حية تجسد صورة الهزيمة علي وجوه جنودنا، و هم ينزفون فوق رمال سيناء، كما وصلت إلي أوروبا أيضا صور مختلفة لأحذية تناثرت علي أرض سيناء ليقال إن الجنود المصريين فروا من المعركة فراراً. < قصة التنحي هل كانت تلقائية أم كانت مدبرة؟ - مظاهرات 9 يونية ستظل قضية خلافية زمناً طويلاً بين من يعتقد أنها مظاهرات شعبية تلقائية وبين من يري أنها من تدبير الاتحاد الاشتراكي. وأري أنها مزيج بين الاثنين، فمن المؤكد ان الجماهير نزلت الي الشارع تلقائيا، فكان علي التنظيم السياسي القائم وقتها »الاتحاد الاشتراكي« ان يقوم بجهده ودوره في تنظيم هذه الجماهير مهما كانت الهزيمة، حتي لا يتم تحطيم البلد. < من الذي يتحمل هزيمة يونية عبدالناصر أم عبدالحكيم عامر؟ - بشكل أكبر عبدالناصر فهو الذي تحمل الهزيمة لأنه غامر بقرار غلق المضايق معتقداً أن الأمم المتحدة سوف يكون لها موقف في نهاية الأمر وهو التفاوض والمشير عامر علمت مؤخراً أنه كان يعارض غلق المضيق وهذا علمته مؤخراً وقال إن هذا سيكون بمثابة إعلان حرب.. وأشار علي عبدالناصر بأن يسأل السوفييت عن رد الفعل الخارجي خاصة من ناحية الأمريكان والإسرائيليين في حالة غلق المضيق.. وأما في ناحية الجيش فقد كان مسرحاً للمظاهرة العسكرية قبل 5 يونية 1967 أكثر من الاستعداد والتخطيط العسكري الفعلي الجيد والمدروس. < معني هذا أن الغرب اصطادوا الديك الرومي؟ - نعم وهي أيضاً كانت غلطة معلومات في المخابرات لأن التقييم كان عند غلق المعابر خاطئا فالاعتقاد كان أن الأمم المتحدة ستأتي لاهثة وترجوه أن يتفادي الحرب ويمرروها بتفاوض فعبدالناصر.. أمر بإغلاق الممرات ووضع العالم أمام أمر واقع.. وكان علي علم بما يمكن أن يسمي بالمناورة الأمريكية الإسرائيلية وهم يريدون الانسحاب ووجهة نظره لا يريد الانسحاب وقد كانت أكبر غلطة!! < والقوي العربية بماذا تفسر دورها في الإسراع باتخاذ قرار غلق المضايق؟ - للأمانة القوي العربية كان لها دور سلبي في إثارة عبدالناصر قبل الهزيمة لأنهم تحدوا زعامته. وأذكر أني كنت في بيروت وكنت قريباً من الإعلام العربي والقومي والوحدوي وقد كتبوا سلسلة مقالات جبارة عنوانها »لماذا يا أبوخالد« تترك هذه الإهانة للأمة العربية وكانوا يقصدون مرور السفن الإسرائيلية في المياه الإقليمية، وكأن عبدالناصر أراد أن ينحاز إلي زعامته العربية فغامر بقرار الغلق ولهذا كانوا »منتظرينه في الدرة«. < لك موقف أعلنته للمدعي العسكري في محاكمة فؤاد باشا سراج الدين فما هو؟ - بعد أن قامت الثورة بمحاكمة رموز السياسة في العهد الملكي وجدت علي رأسهم »فؤاد باشا سراج الدين« ووجدت الاتجاه العام للمحاكمة يشكك في وطنية الرجل ونزاهته فلم أجد تناقضاً بأنني أؤيد الثورة وبين أن يكون لي موقف من محاكمة »فؤاد باشا« فكتبت إلي المدعي العسكري تفاصيل لقاء دار بين الفدائيين وكنت معهم وبين »فؤاد باشا« في منزله وكان وزيراً للداخلية ورأيت أن هذا اللقاء يظهر مدي وطنية ونزاهة الرجل التي كانت ليست محل شك أو تشكيك. < وماذا عن هذا اللقاء الذي دار في منزل فؤاد باشا سراج الدين؟ - كنا مجموعة من الفدائيين نتدرب في معسكر »أحمد عرابي« بالإسكندرية وتم إصدار أحكام علي بعض الفدائيين بسبب مقاومتهم للإنجليز فذهبنا لفؤاد باشا في منزله بجاردن سيتي نطلب منه كوزير للداخلية حماية القائمين علي تدريب المعسكر.. فقال »الباشا« سأتصرف كأنني لم أر شيئاً أو أسمع بوجودهم معكم وستصدر هذه الأوامر لرجال البوليس في الإسكندرية لأن ظروف العلاقة مع القصر والإنجليز لن تسمح بالحصول علي قرار عفو عنهم ثم صعد إلي الدور الأعلي وعاد بمظروف فيه مبلغ كبير من المال وأعطاه لنا وقال هذا مساهمة في الأعمال الوطنية من المواطن »فؤاد سراج الدين« وأعطانا النصيحة بشراء السلاح من مرسي مطروح وليس من منطقة القنال لسبب ما هو كان يراه.. ثم جاء »بعد شهادتي وشرحي لهذه المقابلة« قائد المنطقة العسكرية بالإسكندرية إلي منزلي وممثل قيادة الثورة ليقول لي إنه يعرف أني مؤيد للثورة ولكن بشهادتي هذه أحارب المستقبل الذي يعدونه لي فقلت له هذه كلمة حق يجب أن أقولها في حق »فؤاد باشا« لانه يتهم في وطنيته وأنا أعرف حقيقتها وصدقها فرد علي الرجل قائلاً »إنهم يحاكمون عهداً.. لا رجلاً«. < لماذا وصف عهد الرئيس عبدالناصر بالعهد البوليسي؟ - وصف بذلك لسهولة إجراءات الاعتقال، وسهولة إجراءات الحراسة، ولسهولة المصادرة وكل هذا يرتبط ببعض لإعطاء صورة قاسية للثورة فوصفت بالدولة البوليسية؟! < إيجابيات ثورة يوليو؟ - إعطاء الشعب إحساساً بأنه أخذ جزءاً من حقوقه الاجتماعية، وإعطاء مصر مكانة في العالم الثالث غير عادية، وبناء السد العالي. < ما هي - في رأيك- سلبيات ثورة يوليو؟ - تقسيم السلطة بين عبدالناصر وبين المشير عامر، فللمشير الجيش كاملاً وعبدالناصر الأمور السياسية وقرار عبدالناصر بإغلاق المضايق وهذه قرارات حرب غير مدروسة، والمعاملة السيئة والمهنية وغير الإنسانية لرموز من رموز الثورة وهو اللواء »محمد نجيب« وقرارات الحراسة، والتأميم التي كان فيها تخط لما هو معقول، والتعامل مع قضية الحريات، وعدم العمل بالتعددية الحزبية فتحول الحكم إلي حكم فردي ديكتاتوري. < هل انتهت ثورة يوليو؟ - شعبياً في 67 كان بداية لتغيير الرأي العام تجاه الثورة لانها هي التي أتت بالاحتلال إذن فالثورة لم تحقق التحرر الوطني، ولكن عبدالناصر استمر وحاول في بيان مارس أن يقيم علاقة توفيقية بين الثورة وبين نوع من التحرر أو مصالحة مع الشعب وبعد وفاته استمرت قليلاً في شكل الاتحاد الاشتراكي ولكنها انتهت مؤسسياً وتنظيمياً يوم 1971/5/1 عندما تكلم الرئيس السادات عن الشرعية الدستورية. < أين كانت تتمركز مراكز القوي في السلطة الناصرية؟ - في ظل نظام عبدالناصر لا شك أن أكبر مركز قوي كان المشير عامر ومعه الجيش. ومركز القوي الثاني وكان جزءاً من نظام عبدالناصر وليس قوياً في حد ذاته كان »سامي شرف« وأذكر ذات يوم أن قال لي »سامي شرف« يا دكتور علي لم يحدث ان عانيت يوماً من أي تناقض داخلي، والأمور عندي واضحة كل الوضوح وهي »أن ربنا فوق وجمال عبدالناصر تحت ولا شيء بينهما« فعلاقة سامي شرف بعبدالناصر لم تكن مجرد علاقة عمل ولكنها علاقة ولاء سياسي وقيادي لا مثيل له. ثم مركز قوي آخر هو شمس بدران. < لم تذكر صلاح نصر؟ - المخابرات كانت مركز قوي مع »صلاح نصر« ولكن عندما ثبت أنها هي والمشير شيء واحد علي خلاف ما كان يعتقد عبدالناصر مثل وضع شمس بدران الذي كان محسوباً علي المشير. < والأستاذ محمد حسنين هيكل ألم يكن مركز قوي؟ - أقدر هيكل لذكائه وأسلوبه، ولكن أي احتكار لموقع ما اعترض عليه لانه يصبح مفسدة وهيكل كان مستشاره الأوحد، والجورنال حوله لقناة هي التي تصل للإعلام وهذا احتكار موقع وطبيعة العلاقة التي كانت بينه وبين عبدالناصر هي التي أدت إلي وضع الاحتكار.. وعندما اقرأ لهيكل فأجده مرغماً عنه متحيز تحيزاً كبيراً للمرحلة التاريخية التي كان هو جزءاً منها وأجده يتحيز تحيزاً ظالماً ضد السادات.. والتحيز ضد السادات أفسره لأني عرفت ذلك وعشته، وهي رغبة الرئيس السادات بألاّ يتعامل مع الأستاذ هيكل باعتباره ملقن مسرح الذي لا يستطيع الممثل أن يخرج عن إرادته. < ولهذا قال الرئيس السادات: هيكل آه .. هيكلين لا؟ - حينها مد الدكتور علي السمان يده وصافحني وقال: »لا تعليق«.
د. علي السمان لـ »الوفد«: حوار: ممدوح دسوقي الدكتور علي السمان مدير إدارة الإعلام الأسبق برئاسة الجمهورية والمولود عام 1929، عاصر كثيراً من الأحداث التاريخية في هذا الوطن بدءاً من الفترة الملكية ومروراً بالجمهورية في عهد رؤسائها الثلاثة. يراه الكثيرون وجهاً إعلامياً شهيراً وسياسياً مخضرماً ويزعم البعض أنه »رجل مخابرات« من طراز فريد. درس في مدرسة قبطية مما أعطاه قناعة راسخة بقبول الآخر، وحصل علي شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي من جامعة السوربون، كما كان مقرباً من النظام الناصري ويتمتع بصداقات عديدة مع شخصيات عالمية أثرت كثيراً في صنع القرار الدولي. هنا نص حواره مع »الوفد« عن فترة كان أحد أبرز شاهديها
. < قامت الثورة علي ثلاثة أجنحة »يمين ويسار ومستقل« فلماذا بدأ الصراع مبكرا داخل مجلس قيادة الثورة؟ - الخلاف لم يبدأ من البداية ولكنه اشتد عندما بدأ الصراع مع اللواء »نجيب« ولكن الإخوان المسلمين كان لهم بما نسميه بلغة الاقتصاد »حصة تأسيس« لأنهم كانوا من المؤسسين، ولكن حينما تنجح ثورة يحدث دائماً الخلاف علي توزيع هذه الحصص وعندما إنحازت القوي الموجودة من الأحزاب القديمة وحزب الوفد لصالح اللواء نجيب. أراد الإخوان أن يثبتوا أنهم ليسوا شركاء بل مؤسسون وهنا بدأ الصراع مع الإخوان. < وكيف بدأ الصراع مع الشيوعيين وكانوا يؤيدون الثورة؟ - حدثت الرغبة من البداية لدي القيادات المؤثرة خاصة عبدالناصر، بأن لا تفهم الثورة خطأ بأنها ثورة عمال وفلاحين مع أنها رفعت شعار العدالة الاجتماعية.. ولكن علي القوة العاملة والقوة المؤثرة فيها كالشيوعيين بأن يفهموا أن الثورة ليست يساراً.. وعندما جاء عبدالناصر لجامعة الإسكندرية كان اليسار يقف علي يمينه في المنصة، وكانوا يهتفون يسقط »يد الأمريكان« في اتهام للثورة بأنها أمريكية نظراً لارتباط الضباط الأحرار بالسفير الأمريكي »كافري«، وكانت هتافاتهم أعلي من صوته، فقال يا أهل اليمين أرجو الهدوء لأنهم علي يمينه. ثم قال وبالأحري يا أهل اليسار، فالصراع مع الشيوعيين بدأ مبكراً خاصة عندما تم إعدام العاملين »خميس« و»البقري«. < هذان العاملان كانا يؤيدان الثورة فلماذا الإعدام؟ - نعم أيدوا الثورة.. ولكن اعتصامهم مرفوض فبعد هذا الاعتصام أراد به الضباط الأحرار وضع الأمور في نصابها، فالثورة لمن، ومن يحكم، ومن له الغلبة وكل الثورات هكذا. < لك كتاب بعنوان »أوراق عمري من الملك فاروق إلي عبدالناصر والسادات فلماذا أسقط اسم اللواء محمد نجيب ألم يكن رئيساً للجمهورية«؟ - بالعكس فقد ذكرته في موقع ولم يتعرض لها أناس كثيرون، وأقول: إن عبدالناصر والسادات كانا عمالقة وليسا ألهة وأقصد بعمالقة أنهما يخضعان للنقد.. ولكن المعاملة غير الإنسانية التي تعرض لها »نجيب« كانت ظالمة، وأستطيع أن اسميها مأساة إغريقية، فالرجل أحضروه من خارج نطاق الضباط الأحرار لأنهم كانوا شبابا في الثلاينيات، والشعب لن يسمح لهؤلاء الشباب بأن يحكم لأن مصر بلد تقاليد، ولهذا أحضروا محمد نجيب ولكن المفاجأة كانت في أنه أصبح له شعبية سريعة فقد كان بشوشاً وله لغة سلسة فأحبه الشعب وأحس انه هو القائد الذي يريدونه فوقفوا خلفه وأيدوه. < ما الفرق بين اللواء »محمد نجيب« والرئيس »عبدالناصر«؟ - عبدالناصر كان أقرب منه إلي محاضر في كلية أركان حرب وأذكر حينما قاموا بتوزيع أراضي الإصلاح الزراعي وكانت خطبة عبدالناصر عن الإنتاج وتوزيع الأراضي فقد كان لا يريد أن يقل الإنتاج وبالطبع الفلاحون لم يستوعبوا ذلك.. إذن عبدالناصر كان وجهها عقلانيا هادئا في بدايته.. ولكن محمد نجيب كانت شعبيته جارفة ولكنه أخطأ في الحساب فباسم الشعب أعتقد أنه سيتعاون مع قوي أخري غير القوي التي جاءت به وحينها شعر الضباط الأحرار بأن الثورة تسرق منهم لصالح نجيب صاحب الشعبية الجارفة والذين يقفون خلفه من الإخوان والأحزاب الأخري. < بدأ الصراع بين الرئيسين عبدالناصر ونجيب وكنت في فرنسا وكان لك موقف في هذا الصراع فما هو؟ - بدأ الصراع ولم يكن مجلس قيادة الثورة انتهي من مهمته الثورية.. وطالب نجيب مع أصدقائه السياسيين الجدد بعودة الضباط للثكنات، وتم عقد مؤتمر للشباب المصري في باريس، وأنا دائماً لا أخجل من يوم واحد من حياتي فعند التصويت في ذلك المؤتمر وجدت أنني الوحيد الذي يؤيد بقاء مجلس قيادة الثورة وجميع الشباب أيدوا عودة الضباط إلي ثكناتهم. < ولماذا وقفت هذا الموقف؟ ولماذا أرسلت برقيتين إلي البكباشي عبدالناصر وإلي الرئيس محمد نجيب؟ - وقفت هذا الموقف لأني وجدت تناقضا بين مطالب الشباب للإصلاحات الجذرية لان الآليات التي سيعملون بها هي نفس الآليات القديمة، فلماذا قامت الثورة؟! وأرسلت برقية لعبدالناصر أقول له: »لا تستقيل وأؤيد استمرار مجلس قيادة الثورة.. وأرسلت برقية »لمحمد نجيب« قلت »أن مطالبتكم بعودة الضباط إلي الثكنات هي أكبر عملية نفاق في تاريخ مصر الحديث«!! وحينها أرسل لي »علاء الدين عبداللطيف« الملحق الثقافي في باريس خطابا ليتم التحقيق معي؛ لأن الذين خاطبته هو رئيس الجمهورية ثم حدث التغيير وظل عبدالناصر وذهب نجيب.. وهنا جاء لي المستشار الثقافي بنفسه وانتقل من باريس إلي »جرونوبل« بجنوب فرنسا ليخطب ودي اعتقاداً منه أن الخطاب سيؤذيه. < هل تسرع الرئيس جمال عبدالناصر في الوحدة مع سوريا؟ - الوحدة في 1958 كانت أكبر مأساة حدثت في التاريخ .. مع أن الوحدة في حد ذاتها كانت حلماً وتحقق، لكن خلفيات هذا الحلم هي مناورات ومؤامرات من البعث السوري لانه جر عبدالناصر للوحدة ليتخلص من خصومه في سوريا وتمت الوحدة، ثم تامر حلفاء اليوم في الغد علي عبدالناصر لأنه أنهي مهمته وقضي علي خصومهم في مأساة الوحدة عندما رأي عبدالناصر أن الحلم أصبح سراباً. < زعامة الرئيس عبدالناصر إلي أي مدي كانت باهظة التكاليف؟ - 56 أعطته شعبية في العالم العربي وكان من الصعب ان يتخلي عنها، ولكنها كانت مكلفة جداً في حرب اليمن فقد التقيت برئيس C. I. A في وزارة الدفاع الأمريكية مع المشير »الجمسي« عندما كان وزيراً للحربية وسألت رئيس C.I.A عن حرب 67.. فقال إن عبدالناصر أخطأ في تقدير الدولة الكبري عندما أرسل قواته إلي اليمن، لأن الدولة الكبري هي التي تبعث بقواتها خارج حدودها الوطنية ولهذا كان يجب لفت النظر »ويبدو أنه كان عالي شوية«!! وليس لدي أرقام التكاليف لكن المؤكد أنها كانت مكلفة جداً، ليس هذا فقط بل اختار أن يكون زعيم حركات التحرر في المنطقة العربية، والإفريقية وغيرها.. وطبيعي عندما يكون الإنسان أو الزعيم بالذات سجين خرافة الزعامة فلك أن تتخيل ماذا تكون أفعاله؟! < كان ينادي بالتحرر الخارج.. فهل الشعب المصري كان متحرراً في الداخل؟ - عندما ينادي باستقلال الشعوب من الاحتلال فهذا شيء ولكن قضية الحريات في الداخل عانت كثيراً من الكبت الشديد ولا أعتقد أنه كان في احتياج لهذا الكبت العام لان هذا الشعب بطبعه لا يحتاج هذا الأسلوب وكان عبدالناصر في احتياج لتحديد لكلمة الخصوم لأنهم كانوا محدودين في مصر، ولكن حركة التأميمات جعلته يشعر أن ضحاياها أصبحوا أكثرية وبالتالي ازدادت خصوماته. < كيف كانت العلاقة بين المثقفين وبين الرئيس عبدالناصر؟ - المثقف همومه أن يتكلم، والثوري همومه أن يحسم، إذن هناك فارق في السرعة بينهما.. ولهذا لا أقول ان عبدالناصر اصطدم مع كل المثقفين لان المثقفين ليسوا حزباً واحداً فيوجد مثقف يمين وآخر يساري وثالث ليبرالي وهكذا، وكان فيه جزء من المثقفين مع عبدالناصر وإن كان محدوداً، إنما بصفة عامة الصدام حدث نتيجة لاختيار كل فرد فيهم طريقه كفكر وأسلوب حياة.. وطبعاً المثقف رجل جامعة فالصراع أثر علي المستقبل وهذه نقطة مؤسفة لأنها حرمت الثورة كمجتمع من عطاء الفكر لأن أي حياة قومية في احتياج للتزاوج بين الحسم والفكر. < قمت بمهمة إحضار »جان بول سارتر« الفيلسوف الفرنسي للقاهرة.. فلماذا كان يرفض تلك الزيارة؟ - »سارتر« كان منحازاً بالكامل لقضية الحريات، والثورة الجزائرية وفي تلك الفترة أسموه »الإله الحي« لشباب العالم الثالث الذي يطالب بالاستقلال ولكن هناك قضية محورية يختلف فيها مع عبدالناصر وهي الحرية، وعندما قابلته لأدعوه لزيارة مصر فقال »لا أذهب إلي بلد تغتال فيه الحريات« وكان يصدر مجلة »الأزمنة الحديثة« وتضم صفحات ثابتة في كل عدد بعنوان »مصر هذا السجن الكبير« وينشر فيه الخطابات الخاصة بالمعتقلين السياسيين من أهل اليسار التي كان يتم تهريبها من المعتقلات ولهذا كانت القيادة السياسية تقدر ثقله ومدي تأثيره بين شباب العالم الثالث. < ألهذا كان الرئيس عبدالناصر شغوفاً بلقاء »سارتر«؟ - عبدالناصر كان يريد هذه المصالحة لكي يكون علماً من أعلام الفكر المؤثر في شباب العالم الثالث، بالإضافة إلي أن موقف عبدالناصر ونظامه يتلاقي مع موقف سارتر في قضية استقلال الجزائر وهذا من الأهداف الاستراتيجية لحكم عبدالناصر.. بالإضافة إلي ان سارتر لم يتوقف عن انتقاد نظام عبدالناصر في مجلته وفي أحاديثه بسبب اختياره لنظام الحزب الواحد سبيلاً لحكمه. < وكيف اقنعت سارتر بزيارة مصر ويوجد تناقض بين فكره وبين أسلوب نظام الحكم في مصر؟ - لقد حسمت تردده في زيارة مصر بجملة واحدة وقد قلتها بموضوعية.. »إذا كنت تحاول تطبيق معايير علي حالة مصر بالذات فيجب أن تكون حذراً تاريخياً لأن من يحكم مصر سواء كان ملكاً أو سلطاناً أو خديو أو رئيس جمهورية فهو فرعون مصر، وعندما يكون حظها جيداً فإنه يكون فرعونا صالحا« فاقتنع وقرر المجيء إلي القاهرة. < لك خلاف طال زمنه مع نظام الرئيس عبدالناصر ما سببه؟ - اختلفت مع النظام من عام 58 وحتي 66 في قضية بسيطة جداً وهي رغبتي في الاستقلال في الحركة فقد كنت أريد أن أنشيء اتحاد طلبة مصريين وعرب، والنظام يعتبر أن إنشاء اتحاد طلبة مصريين يكون في احتياج دور أساسي ومحوري للاتحاد الاشتراكي وللأمن، وكنت لا أحتاج للأول ولا للثاني ففهمي للتعاون أن يكون سياسياً ووطنياً وليس أمنياً ولكنهم كانوا يريدونه أمنياً.. وكنت لا أصدر خلافي مع النظام في بلدي إلي أرض الخارج أبداً.. وبالمناسبة أشهد أيضا أن الأخ والصديق »محمود أباظة« وكان معي في باريس أنه لم يحاول يوماً ان ينقل خلافه مع النظام إلي منبر الخارج عن أرض الوطن وقد كان خلافه شديداً جداً مع نظام عبدالناصر في فترة الستينيات، ولكنه كان يقول إنها قضايا تحل في الداخل وليس في الخارج. < كيف نقل الإعلام الأوروبي هزيمة 67 في وسائله المختلفة؟ - الإعلام الأوروبي نقل لقطات حية تجسد صورة الهزيمة علي وجوه جنودنا، و هم ينزفون فوق رمال سيناء، كما وصلت إلي أوروبا أيضا صور مختلفة لأحذية تناثرت علي أرض سيناء ليقال إن الجنود المصريين فروا من المعركة فراراً. < قصة التنحي هل كانت تلقائية أم كانت مدبرة؟ - مظاهرات 9 يونية ستظل قضية خلافية زمناً طويلاً بين من يعتقد أنها مظاهرات شعبية تلقائية وبين من يري أنها من تدبير الاتحاد الاشتراكي. وأري أنها مزيج بين الاثنين، فمن المؤكد ان الجماهير نزلت الي الشارع تلقائيا، فكان علي التنظيم السياسي القائم وقتها »الاتحاد الاشتراكي« ان يقوم بجهده ودوره في تنظيم هذه الجماهير مهما كانت الهزيمة، حتي لا يتم تحطيم البلد. < من الذي يتحمل هزيمة يونية عبدالناصر أم عبدالحكيم عامر؟ - بشكل أكبر عبدالناصر فهو الذي تحمل الهزيمة لأنه غامر بقرار غلق المضايق معتقداً أن الأمم المتحدة سوف يكون لها موقف في نهاية الأمر وهو التفاوض والمشير عامر علمت مؤخراً أنه كان يعارض غلق المضيق وهذا علمته مؤخراً وقال إن هذا سيكون بمثابة إعلان حرب.. وأشار علي عبدالناصر بأن يسأل السوفييت عن رد الفعل الخارجي خاصة من ناحية الأمريكان والإسرائيليين في حالة غلق المضيق.. وأما في ناحية الجيش فقد كان مسرحاً للمظاهرة العسكرية قبل 5 يونية 1967 أكثر من الاستعداد والتخطيط العسكري الفعلي الجيد والمدروس. < معني هذا أن الغرب اصطادوا الديك الرومي؟ - نعم وهي أيضاً كانت غلطة معلومات في المخابرات لأن التقييم كان عند غلق المعابر خاطئا فالاعتقاد كان أن الأمم المتحدة ستأتي لاهثة وترجوه أن يتفادي الحرب ويمرروها بتفاوض فعبدالناصر.. أمر بإغلاق الممرات ووضع العالم أمام أمر واقع.. وكان علي علم بما يمكن أن يسمي بالمناورة الأمريكية الإسرائيلية وهم يريدون الانسحاب ووجهة نظره لا يريد الانسحاب وقد كانت أكبر غلطة!! < والقوي العربية بماذا تفسر دورها في الإسراع باتخاذ قرار غلق المضايق؟ - للأمانة القوي العربية كان لها دور سلبي في إثارة عبدالناصر قبل الهزيمة لأنهم تحدوا زعامته. وأذكر أني كنت في بيروت وكنت قريباً من الإعلام العربي والقومي والوحدوي وقد كتبوا سلسلة مقالات جبارة عنوانها »لماذا يا أبوخالد« تترك هذه الإهانة للأمة العربية وكانوا يقصدون مرور السفن الإسرائيلية في المياه الإقليمية، وكأن عبدالناصر أراد أن ينحاز إلي زعامته العربية فغامر بقرار الغلق ولهذا كانوا »منتظرينه في الدرة«. < لك موقف أعلنته للمدعي العسكري في محاكمة فؤاد باشا سراج الدين فما هو؟ - بعد أن قامت الثورة بمحاكمة رموز السياسة في العهد الملكي وجدت علي رأسهم »فؤاد باشا سراج الدين« ووجدت الاتجاه العام للمحاكمة يشكك في وطنية الرجل ونزاهته فلم أجد تناقضاً بأنني أؤيد الثورة وبين أن يكون لي موقف من محاكمة »فؤاد باشا« فكتبت إلي المدعي العسكري تفاصيل لقاء دار بين الفدائيين وكنت معهم وبين »فؤاد باشا« في منزله وكان وزيراً للداخلية ورأيت أن هذا اللقاء يظهر مدي وطنية ونزاهة الرجل التي كانت ليست محل شك أو تشكيك. < وماذا عن هذا اللقاء الذي دار في منزل فؤاد باشا سراج الدين؟ - كنا مجموعة من الفدائيين نتدرب في معسكر »أحمد عرابي« بالإسكندرية وتم إصدار أحكام علي بعض الفدائيين بسبب مقاومتهم للإنجليز فذهبنا لفؤاد باشا في منزله بجاردن سيتي نطلب منه كوزير للداخلية حماية القائمين علي تدريب المعسكر.. فقال »الباشا« سأتصرف كأنني لم أر شيئاً أو أسمع بوجودهم معكم وستصدر هذه الأوامر لرجال البوليس في الإسكندرية لأن ظروف العلاقة مع القصر والإنجليز لن تسمح بالحصول علي قرار عفو عنهم ثم صعد إلي الدور الأعلي وعاد بمظروف فيه مبلغ كبير من المال وأعطاه لنا وقال هذا مساهمة في الأعمال الوطنية من المواطن »فؤاد سراج الدين« وأعطانا النصيحة بشراء السلاح من مرسي مطروح وليس من منطقة القنال لسبب ما هو كان يراه.. ثم جاء »بعد شهادتي وشرحي لهذه المقابلة« قائد المنطقة العسكرية بالإسكندرية إلي منزلي وممثل قيادة الثورة ليقول لي إنه يعرف أني مؤيد للثورة ولكن بشهادتي هذه أحارب المستقبل الذي يعدونه لي فقلت له هذه كلمة حق يجب أن أقولها في حق »فؤاد باشا« لانه يتهم في وطنيته وأنا أعرف حقيقتها وصدقها فرد علي الرجل قائلاً »إنهم يحاكمون عهداً.. لا رجلاً«. < لماذا وصف عهد الرئيس عبدالناصر بالعهد البوليسي؟ - وصف بذلك لسهولة إجراءات الاعتقال، وسهولة إجراءات الحراسة، ولسهولة المصادرة وكل هذا يرتبط ببعض لإعطاء صورة قاسية للثورة فوصفت بالدولة البوليسية؟! < إيجابيات ثورة يوليو؟ - إعطاء الشعب إحساساً بأنه أخذ جزءاً من حقوقه الاجتماعية، وإعطاء مصر مكانة في العالم الثالث غير عادية، وبناء السد العالي. < ما هي - في رأيك- سلبيات ثورة يوليو؟ - تقسيم السلطة بين عبدالناصر وبين المشير عامر، فللمشير الجيش كاملاً وعبدالناصر الأمور السياسية وقرار عبدالناصر بإغلاق المضايق وهذه قرارات حرب غير مدروسة، والمعاملة السيئة والمهنية وغير الإنسانية لرموز من رموز الثورة وهو اللواء »محمد نجيب« وقرارات الحراسة، والتأميم التي كان فيها تخط لما هو معقول، والتعامل مع قضية الحريات، وعدم العمل بالتعددية الحزبية فتحول الحكم إلي حكم فردي ديكتاتوري. < هل انتهت ثورة يوليو؟ - شعبياً في 67 كان بداية لتغيير الرأي العام تجاه الثورة لانها هي التي أتت بالاحتلال إذن فالثورة لم تحقق التحرر الوطني، ولكن عبدالناصر استمر وحاول في بيان مارس أن يقيم علاقة توفيقية بين الثورة وبين نوع من التحرر أو مصالحة مع الشعب وبعد وفاته استمرت قليلاً في شكل الاتحاد الاشتراكي ولكنها انتهت مؤسسياً وتنظيمياً يوم 1971/5/1 عندما تكلم الرئيس السادات عن الشرعية الدستورية. < أين كانت تتمركز مراكز القوي في السلطة الناصرية؟ - في ظل نظام عبدالناصر لا شك أن أكبر مركز قوي كان المشير عامر ومعه الجيش. ومركز القوي الثاني وكان جزءاً من نظام عبدالناصر وليس قوياً في حد ذاته كان »سامي شرف« وأذكر ذات يوم أن قال لي »سامي شرف« يا دكتور علي لم يحدث ان عانيت يوماً من أي تناقض داخلي، والأمور عندي واضحة كل الوضوح وهي »أن ربنا فوق وجمال عبدالناصر تحت ولا شيء بينهما« فعلاقة سامي شرف بعبدالناصر لم تكن مجرد علاقة عمل ولكنها علاقة ولاء سياسي وقيادي لا مثيل له. ثم مركز قوي آخر هو شمس بدران. < لم تذكر صلاح نصر؟ - المخابرات كانت مركز قوي مع »صلاح نصر« ولكن عندما ثبت أنها هي والمشير شيء واحد علي خلاف ما كان يعتقد عبدالناصر مثل وضع شمس بدران الذي كان محسوباً علي المشير. < والأستاذ محمد حسنين هيكل ألم يكن مركز قوي؟ - أقدر هيكل لذكائه وأسلوبه، ولكن أي احتكار لموقع ما اعترض عليه لانه يصبح مفسدة وهيكل كان مستشاره الأوحد، والجورنال حوله لقناة هي التي تصل للإعلام وهذا احتكار موقع وطبيعة العلاقة التي كانت بينه وبين عبدالناصر هي التي أدت إلي وضع الاحتكار.. وعندما اقرأ لهيكل فأجده مرغماً عنه متحيز تحيزاً كبيراً للمرحلة التاريخية التي كان هو جزءاً منها وأجده يتحيز تحيزاً ظالماً ضد السادات.. والتحيز ضد السادات أفسره لأني عرفت ذلك وعشته، وهي رغبة الرئيس السادات بألاّ يتعامل مع الأستاذ هيكل باعتباره ملقن مسرح الذي لا يستطيع الممثل أن يخرج عن إرادته. < ولهذا قال الرئيس السادات: هيكل آه .. هيكلين لا؟ - حينها مد الدكتور علي السمان يده وصافحني وقال: »لا تعليق«.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
عبر عن رأيك